"باولو كويلهو"
!! من المصحّة العقلية ... إلى السّجن ... إلى أشهر كُتّاب البرازيل
في بعض الأحيان
يكون الطّفل متوجّهاً بفطرته إلى ما يرغب أن يكونه ، ويُحاول الوالدان أن يُغيّرا تلك التوجهات
... خاصة لو كانت أدبيّة أو روائيّة أو فنّية
هذا ما حدث مع الكاتب البرازيلي الشّهير باولو كويلهو و الحائز على عدّة جوائز عالميّة من مُختلف القارّات
و إحدى مؤلّفاته تم توزيع 27 مليون نسخة منها على مُستوى العالم، وتمّت ترجمتها إلى 65 لغة وبيعت في 130 دولة
و اعتبرته الصّحافة الفرنسيّة عام 1988 ثاني المؤلّفين مبيعاً لكتبه على مُستوى العالم
هذا الكاتب الموهوب وصفته عائلته بالتّمرّد على الدراسة الكلاسيكية، حيث كان والداه يُريدان له أن يدرس الهندسة
و هو يُريد أن يصير كاتِباً ويُكرّس حياته للأدب
وعندما عرف الوالدان أن القصص التي يكتبها ابنهما في المدرسة يرميها المُدرّسون في الزّبالة
"اعتقد الأهل أن إصراره على الكتابة هو درب من الجنون و علامة من علامات المرض العقلي، وأخرجوه من مدرسة "الجيزويت
التي كان يدرس بها في العاصمة ريو دي جانيرو، و أودعوه مُستشفى الأمراض العقلية
... في مُحاولة منهم أن يُشفى من مرض الكتابة و الأدب
،و هُناك في المُستشفى تعرّض للمُعاملة القاسية التي يتلقّاها المجانين
و تلقّى العلاج بالصّدمات الكهربائيّة كالمُعتاد في تلك الحالات و تم تهدئته و خروجه من المُستشفى
... و كان عمره في ذلك الوقت ثمانية عشر عاماً، بعد أن كتب تعهّداً بألاّ يعود إلى الكتابة مرّة أخرى
،لكنّه عاد إلى الكتابة، فتمّ إيداعه مرّة ثانية في المُستشفى العقلي
و عندما خرج من المُستشفى تلك المرّة انضمّ إلى فرقة من الشّباب في البرازيل لفترة قصيرة و كتب لهم بعض الرّوايات
،ثمّ قرّر أن يعمل بالصّحافة كاتب فكرة و عمود
و قبل أن يجني أيّة ثمرة نجاح من تلك الأعمال، عرف الأهل بالاتّجاه الجّديد لابنهم و أفزعهم اتّجاهه للمسرح والصّحافة
،لأنّهما كانا والدين شديديّ التّديّن بالطائفة الكاثوليكيّة، فأدخلاه مُستشفى الأمراض العقلية مرّة ثالثة
! تحت دعوى أن المسرح والفن هُما الدّليل الأكيد على الانحراف النّفسي لابنهما بعد أن وعدهما بألاّ يعود للأدب و الفنّ
و هُنا تصدّى لهما أحد الأطبّاء النّفسيين و أخبرهما أنّهما مُخطآن تماماً في إدخال ابنهما المُستشفيات العقلية
لأنّه ليس مريضاً عقليّاً بل هو مشروع مُبدع يُحاول بقدر إمكانه أن يتحدّاهُما ويتحدّى معهما المُجتمع
!الذي وضعه على شفا الجّنون وما هو بمجنون
وتلك الأحداث التي مرّت بها حياة هذا الرّجل، أدّت إلى أن يقف أحد أعضاء البرلمان البرازيلي عام 1999
و يُمسك في يديه بأحد روايات الكاتب البرازيلي و التي لاقت شهرة وتقديراً عالميّين
وهي رواية "فيرونيكا تقرّر أن تموت" و قرأ جزء من الرّواية لأعضاء المجلس
و ذكر بعدها مأساة هذا الكاتب الذّي تعرّض لدخول مُستشفى الأمراض العقلية عدّة مرّات بناءً على تعليمات من الأهل و الشّهود
و تم إقرار مشروع يمنع الاحتجاز التّعسّفي للمرضى النّفسيّين داخل المُستشفيات العقلية
... إلاّ بعد موافقة الأطبّاء أنفسهم عن طريق لجنة طبّية
و كان هذا القانون مُدرج على جدول الأعمال منذ عشر سنوات و لم يُصدَّق عليه إلا بفضل مأساة وتحدّي الكاتب
باولو كويلو الذي أصبح أحد أشهر كُتّاب البرازيل بعد أن عانى الأمرّين منذ مولده في 24 أغسطس عام 1947 بمدينة ريودي جانيرو
"ولم يشفع له أوّلاً كتاباته الشّعرية والأدبية أثناء فترة الطّفولة في مدرسته الأولى مدرسة "الجيزويت
ولم يشفع له ثانياً اشتراكه في الكتابة لإحدى المجلات البرازيليّة الرّسمية
كرينج ها" وكانت مجلة ساخرة حيث تم القبض عليه بتهمة إساءة استعمال حرّية الصّحافة و أودع في الحجز ثمّ في السّجن"
و اضطرّ إلى الاعتراف بأنّه مريض عقلي و أودع ثلاث مرّات مُستشفى المجانين حتّى يُمكنه
... أن يُفلت من العقاب، وبالفعل تمّ الافراج عنه و أطلقوا سراحه عندما أخبرهم بأنّه مجنون
عندما بلغ باولو كويلّو السادسة و العشرين قرّر أن يتزوّج وسافر إلى أسبانيا وقرّر أن يُعطي نفسه تجربة التّعليم
من جديد، قام بعدّة رحلات أوروبيّة في كل من أسبانيا وفرنسا وأوربّا الشّرقيّة
... وكذلك رحلات آسيويّة
"و كتب الكثير من إبداعاته الأدبيّة مثل "يوميّات مُحارب" و "الخيميائي" و "بريدا" و "الجبل الخامس
وحقّق نجاحاً مُدوياً على مُستوى العالم
وفي سبتمبر عام 2000 تمّ افتتاح معهد في البرازيل يحمل اسمه (معهد باولو كويلهو) وهذا المعهد يعمل حتّى الآن
على رعاية الموهوبين أدبيّاً، ويُقدّم لهم الدّعم المادّي و العلمي
.ويُقدّم خدماته لفُقراء القوم و العجزة و الأطفال
واختارت مُنظّمة اليونيسكو باولو كويلهو ليكون سفيراً فوق العادة للمُنظّمة في برامجها الثّقافيّة وبرامج الحوار بين الحضارات
و حصل على جائزة فارس الفنون و الآداب من فرنسا، وجائزة أخرى من ألمانيا عام 2001
.و أصبح عضواً في الأكاديميّة البرازيليّة للآداب
ثمّ حصل باولو على عديد من الأوسمة و الجّوائز من كل من إيطاليا و إيران و أيرلندا
و كتب كثيراً من الأغنيات الشّعرية الرّقيقة لنجوم الغناء على مُستوى العالم في فترة التّسعينات من القرن الماضي
و هكذا ، كانت حياة الرّجل الذي أودعوه مُستشفى الأمراض العقلية ثلاث مرّات ثمّ السّجن
ومع ذلك خرج مُتحدّياً المُستحيل ، وأثبت نفسه و نجح وحاز على الجّوائز
... و مُنع احتجاز البشر داخل المُستشفيات العقليّة دون مُبرّر و بتوصيّة من الآخرين
0 التعليقات:
إرسال تعليق